نمل ونحل للدكتور زكى نجيب محمود

الطريق إلى النهضة صعب ويحتاج إلى جهد كبير ولا يأتى من فراغ,أو بمجرد جمع ألوان المعارف والعلوم والترجمة عن الثقافات الأخرى,ثم تخزينها واستجلابها وقت الحاجة إليها فقط ,فهذا ولاشك يضعف روح الإبداع فى الأمة وربما يقتلها,وإنما علينا أن نجمع ونخزن من كل هذه الثقافات مثلما يعمل النمل فى جمع طعامه وتخزينه,ثم نحلل ونحول ونطور ونبتكر الجديد والمفيد,كما يفعل النحل فى جمعه ما يمتصه من رحيق الأزهار ليخر جه عسلا شهيا.

والدكتور زكى نجيب محمود يتناول فى هذا الموضوع:

•  مقارنة بين مايصنعه النمل والنحل،وكيف أن الأول وظيفته مجرد جمع غذائه وتخزينه دون أن يغير فيه شيئا،والثانى يجمع الرحيق من الأزهار،ثم يحوله ليصنع منه عسلا فيه شفاء للناس.
• وعلى طريق النمل صنعنا نحن ثقافتنا ومعارفنا فى نهضتنا الحديثة دون أن نضفى عليها جديدا يميزها،ونضيف إليها ابتكارا وإبداعا.وللأمانة العلمية والعدالة فى الحكم وجدنا بعضا من أعلام نهضتنا جمع بينالطريقين وهذا هو واجبنا اليوم لأنه ينبغى أن يكون لنا دور بارز فى إثبات الذات وفى كل جوانب الفكر إلى جانب ما تميزنا به فى كثير من الإبداع الأدبى وفى قليل من الفن..
• استعراض للنهضات الثقافية عبر التاريخ،وأنها جميعا تشابهت فى مراحل سيرها،فخطوة "نملية"تجمع فيها ما وصلت إليه الدنيا من الحقائق والمعارف والعلوم،تتلوها خطوة"نحلية"يمتص فيها أصحاب المواهب رحيق المعارف والعلوم والفنون ثم يحولونها إبداعا وابتكارا..ويؤكد ذلك المثالان الآتيان:
• الأول:النهضة الإسلامية فى مدها الثقافى بدأت بحركة  الجمع من مصادر الآخرين والترجمة عن(اليونانية والفارسية والهندية)فى مرحلتين،إحداهما فردية يعمل فيها الأفراد فرادى،كل حسب مزاجه ودون أن يكون للدولة شأن بهم،ثم رسمية حين أصبح للدولة اهتمام بحركة الترجمة(أيام المأمون وإنشائه بيت الحكمة)وسارت هذه النهضة الإسلامية حتى القرن( الرابع الهجرى)الذى تحولت فيه إلى مرحلة الابتكار والإبداع فى شتى المجالات(الأدب والفكر والفلك والرياضة والطب والكيمياء)من أمثال:(أبى حيان التوحيدى-الفارابى-ابن سينا وابن رشد والجرجانى)
• الثانى:النهضة الأوربية الحديثة:وكانت فى مهدها شبيهة بما يصنعه النمل من الجمع والتخزين لما أنتجه العقل البشرىفى ثقافة اليونان والرومان والعرب وترجمة هذا كله ثم جاء دور (النحل)فظهر علماء وأدباء وفنانون من أمثال:(جاليليو_وروفائيل_وليوناردو دافنشى وشكسبيروغيرهم).
• أما"دون كيخوتة"بطل الرواية التى ألفها(سيرفانتيز)فيرمز به الكاتب إلى أولئك الذين يحفظون ما يقرءون ولا يضيفون إليه جديدا،فيصوره محاربا لطواحين الهواء ظنا أنها فرسان معادية،ويهاجم قطعان الخراف على أنها جيوش الأعداء،فهو بذلك يعيش فى القديم ليتنفس هواء مخزونا بين صحف كتبت فى عصر قديم،ولا يحاول أن يعيش عصره،ويبتكرفيه،وهكذا نجد من طراز"دون كيخوته"مئات أمثاله يعيشون على القديم ويحشون أدمغتهم بكلمات السابقين لالتكون مصدر جديد،بل ليعيشوها مرة أخرى ويوروا فى فلكها دون ابتكار أو إبداع.